مقالات

سوريا والعراق .. سيادة مُنتهكَة

د. ذيب القراله

يشكًل إعلان حزب العمال الكردستاني سحب قواته من الاراضي التركية وانتقالها إلى شمال العراق، محطة تاريخية فاصلة، يُفترض ان تُفضي الى انسحاب تركيا من الاراضي العراقية والسورية ،التي تتواجد فيها منذ سنوات ،بحجة محاربة حزب العمال .

التواجد التركي في الاراضي العراقية، واسعا ويزيد عن ٨٠ تجمعا عسكريا، ويمثل انتهاكا صارخا لسيادة العراق ،، وهو ذاته التواجد التركي – الممتد والمستمر – في الاراضي السورية ايضا،حيث تسيطر انقرة بشكل مباشر او غير مباشر ( عبر حلفائها من الفصائل المسلحة) على مناطق واسعة في اعزاز وجرابلس والباب وعفرين ورأس العين وتل ابيض ،تحت نفس المسمى والذريعة ،وهو حماية حدود تركيا من التنظيمات الكردية .

التواجد (عنوة) في اراضي الدول المجاورة تحت اي حِجة كانت هو ( احتلال مقنًع ) وهو الامر ذاته الذي تطبقه اسرائيل حاليا في الاراضي السورية، بزعم حماية حدودها، وصولا الى اصرارها على ان تكون منطقة الجنوب السوري برمتها منطقة منزوعة السلاح ،لكي (تصول وتجول) فيها دون رادع او قلق.

انسحاب العمال الكردستاني من الاراضي التركية ، يمثل منعطفا هاما في الصراع الكردي – التركي الممتد منذ العام 1984 ويضع انقرة أمام فرصة نادرة لتثبيت الاستقرار الداخلي، وفتح مسار جديد مع مكوّنها الكردي، وينهي تواجدها في اراضي جيرانها.

لذلك فان الأشهر المقبلة ستكون حاسمة في اختبار مدى جدية الطرفين ،لجهة ان كان هذا الانسحاب سيتحول إلى تسوية سياسية، تنهي اربعة عقود من الصراع ،أم أنه مجرد إعادة انتشار ، واستراحة محارب، فرضتها ظروف احد الطرفين او كلاهما ،وستنتهي إلى استئناف المواجهة من جديد.

المتابعون للملف يضعون ثلاثة سيناريوهات لتطورات الاوضاع اولها ( المُرجًح ) وهو نجاح المسار بافتراض اندماج الكوادر الكردية في الحياة السياسية ، وحدوث هدوء أمني وتراجع دور السلاح ، وبحيث تكون تركيا أكثر استقرارًا داخليًا وأقل عرضة للانتقادات خارجيا.

اما السيناريو الثاني ( المحتمل )فهو التعثر ، وذلك بسبب بطء الإصلاحات التركية المنتظرة تجاه الكرد ، أو غياب العفو الشامل عن كوادر الحزب، مما يولد خيبة أمل ،ويساهم في استئناف العمل المسلح جزئيا من خارج تركيا ، والنتيجة ستكون تعثًر المسار السياسي مع استمرار التوتر ولكن بدرجة اقل حدة.

السيناريو الثالث هو انهيار الاتفاق وهو (ضعيف لكنه خطير ) وستتمثل اسبابه بالفشل المتبادل في الثقة بين الجانبين،وعودة العمليات العسكرية الواسعة عبر الحدود ، والنتيجة ستكون ضياع فرصة تاريخية لتحقيق السلام ،وارتفاع الكلفة الأمنية والسياسية على أنقرة، واستمرار التوتر على الحدود مع كل من سوريا والعراق.

مؤيدو الحزب يعتقدون ان انسحاب ( الكردستاني) من تركيا ،يضع ثقلاً سياسيًا وأخلاقيًا في خانة الحزب، ويزيد من الضغط على أنقرة للمضي قدمًا بخطوات مقابلة ترسًخ هذا التحول التاريخي.

وعمليا فان هذه الخطوة تمثل نافذة سلام ذهبية، وإذا ما تم استثمارها ستؤدي إلى تحقيق استقرار داخلي تركي ، وتخفيف التوتر الإقليمي،وتقديم نموذج ناجح لمعالجة المسألة الكردية سياسيا لا عسكريا .

الكرة الآن في الملعب التركي لترجمة هذا المكسب الأمني إلى إنجاز سياسي ،فإذا أظهرت أنقرة مرونة واستعدادًا لاتخاذ خطوات جريئة، تقابل خطوة الحزب بالانسحاب فإن عملية السلام الوليدة قد تتعزز وتصبح مسارًا لا رجعة فيه ،نحو إنهاء أحد أطول صراعات المنطقة، وقد تكون التجربة مُلهمة لمعالجة المسألة الكردية في كل من سوريا وايران.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى